صناعة البناء والتشييد والمقاولات بالسودان 2

تطرقنا فى المقال السابق حول قطاع البناء والتشييد بالسودان “الوضع الراهن” الى التعريف بالقطاع والتعقيدات التي تصاحب صناعة القطاع والتداخلات والتقاطعات مع القطاعات الاخري والصفات التي يتميز بها داخليا وخارجيا وواقع الصناعة بالقطاع فى السودان وجودتها والسلبيات واوجه القصور التي تعتريها وواسبابها ومتطلبات معالجة ذلك الامر من خلال النظرة الفاحصة الى واقع تنفيذ المباني والمنشآت بالسودان ، وفى تحليلنا اليوم للوضع الراهن تبرز لنا ان أهم مشاكل قطاع البناء والتشييد بالسودان تاتي من خلال تأخر تنفيذ المشروعات وإنخفاض جودتها حيث لم يرتق القطاع فى السابق الى مرحل التنظيم المطلوب قبل تكوين مجلس تنظيم مقاولي الاعمال الهندسية الذي يجب أن يتمتع به القطاع أو يكون عليه نتيجة مروره بظروف عدة ، إبتداءاً من إعتماد الدولة على شركات حكومية أو شبه حكومية لفترات طويلة في المشاريع الحكومية واقتصار القطاع الخاص على الأبنية السكنية ودخوله كمنافس للقطاع العام بدون تأهيل مسبق ، وفى استعراض أهم مشاكل ومعوقات قطاع البناء والتشييد نجد انها تتمثل فى عدم قدرة الشركات الوطنية في المنافسة في المشاريع الكبرى التي تقوم بطرحها المؤسسات المالية والمصرفية العالمية بسبب الضمانات البنكية للمشاريع الإنشائية والتي تعتبر من ضمن شروط العطاءات والمناقصات والعقود ، وكمثال فإن المصرف العربي للتنمية الإقتصادية في أفريقيا والذي مقره بالخرطوم وبموجب الإتفاقية الخاصة بالمقر فإن السودان لا يستفيد من أي منح يقدمها المصرف له ولكن يمكن لشركات المقاولات الوطنية المنافسة مع نظيراتها من الدول العربية والأفريقية والأوربية في الحصول على المشاريع التي يقوم المصرف بطرحها وتقديمها ، ولكن لعدم قدرة الشركات الوطنية في الحصول على تقديم ضمانات لمثل هذه المشاريع كما أسلفنا أعلاه ينجم عن ذلك إنعدام فرص حصول الشركات الوطنية على المشاريع بالرغم من أن المصرف العربي ووفق خطته السابقة للمشاريع للفترة من (2009 – 2014) قام بطرح عدد من المشاريع تناهز قيمتها المليار دولار أمريكي 80% من هذه المشاريع تم تخصيصها للشركات الأفريقية والعربية رغماً عن أن هذه المشاريع تتباين تكلفتها التقديرية ما بين (5 إلى 15) مليون دولار أمريكي وبإستطاعة بعض شركاتنا الوطنية (منفردة أو مشتركة) لديها القدرة التنافسية للمشاركة في مثل هذه المشاريع وذات الحال ينطبق على بنك التنمية التعاوني الإسلامي (جده) ، كذلك من المعوقات المشاكل الناجمة عن ظهور شركات أجنبية في سوق العمل السوداني ذات إمكانيات وموارد كبيرة تنافس الشركات الوطنية وظاهرة العمالة الأجنبية الوافدة وعدم كفاية التدريب والتأهيل الكافي للعمالة الوطنية بنقص مراكز التدريب المؤهلة والمتخصصة وتغير قيمة صرف العملات مما أدى لإنخفاض قيمة الجنية السوداني في الأعوام الأخيرة مقابل العملات الأجنبية ، مما أدى لإرتفاع أسعار مواد البناء بشكل كبير والتضخم في التكلفة المالية للمشاريع الإنشائية حيث أن أقل تكلفة للمشروع الآن تقدر بمليارات الجنيهات ووجود قيود وتشريعات تحد من العمل الإنشائي بشكل مرن وإقتصادي مثل القيود التي لا تمكن المقاولين من الحصول على قروض وتمويل من البنوك التجارية المحلية بشكل مرن الأمر الذي ولد تراجعاً في المستوى الإداري والإنتاجي للقطاع الإنشائي واستمرار التشابكات المالية للقطاع مع الجهات الأخرى وعدم توفر بيئة تشريعية متطورة قادرة على توفير جو تنافسي عادل ومتكافئ يسمح بالعمل الإنشائي وفق المعايير العالمية الى جانب وجود قيود وتشريعات تحد من العمل الإنشائي بشكل مرن وإقتصادي الأمر الذي ولد تراجعاً في المستوى الإداري والإنتاجي للقطاع الإنشائي واستمرار التشابكات المالية للقطاع مع الجهات الأخرى ونقص التأهيل اللازم وضعف الأساليب الخاصة به ، ( الدراسة ، التنفيذ ، الإشراف ، إدارة المشروعات) للقطاع الإنشائي ووضعه في مراحل يستطيع معها المنافسة مقارنة مع القطاعات الإنشائية في الدول المجاورة بالاضافة الى عدم مواكبة القطاعات الإنتاجية الأخرى (الصناعة ، التجارة ، الطاقة) لتأمين احتياجات القطاع الإنشائي .
وبالرغم من قيام الحكومة بمجموعة من الإجراءات لإصلاح قطاع البناء والتشييد في السنوات الأخيرة بمبادرات من الكيانات الهندسية (المجلس الهندسي السوداني ، الاتحاد العام للمهندسين السودانيين ، اتحاد المقاولين السودانيين ، مجلس تنظيم بيوت الخبرة للخدمات الاستشارية ، مجلس تنظيم مقاولي الأعمال الهندسية) إلا أن هذه الإجراءات كانت غير فعالة وتحتاج لرفع العديد من القيود وذلك لإفتقارها لرؤيا واستراتيجيات واضحة للتعامل مع هذا القطاع في ضوء التحديات المستقبلية وتطور سوق المنافسة داخلياً وخارجياً ، وهنا لابد بل ومن الضروري والمفيد تحديد أهم نقاط الضعف والقوة في قطاع البناء والتشييد من أجل تجنب وتجاوز آثار الضعف الواضح في المستقبل، وكذلك من أجل تدعيم نقاط القوة والعمل على استثمار ميزاتها من أجل تحقيق تنمية مستدامة لهذا القطاع الهام، ففيما يلي نقاط الضعف فانه مازالت الكثير من المواد اللازمة لقطاع البناء والتشييد مستوردة وبالتالي ينعكس ذلك على ارتفاع تكلفة البناء والتشييد من ناحية وخضوع السوق المحلية للتقلبات العالمية من ناحية أخرى كما انه لا توجد مواصفات صارمة في استيراد المواد المستوردة لتكون وفق متطلبات الجودة العالية والتي تحقق شروط البيئة النظيفة والطاقة المستهلكة وعدم وجود قوى عاملة ذات مهارات عالية وضعف التخطيط القومي الشامل والمتوازن وعدم وجود نظام حديث لتنظيم أعمال صيانة المشروعات ابتداءً من الصيانة الطارئة حتى الصيانة الدورية وانتهاءً بالصيانة الأساسية والضعف الواضح في الجانب الاستشاري الهندسي والخلل في إحكام نظام مراقبة الجودة لكافة الأعمال وعدم كفاية البحث العلمي لقطاع البناء والتشييد على الرغم من الدور الريادي والأساسي له في رفع كفاءة مشروعات قطاع البناء والتشييد من النواحي الفنية والاقتصادية والاستثمارية ونقص واضح في التشريعات المنظمة لقطاع البناء والتشييد والضعف الواضح في آلية تأهيل غالبية الجهات في تنفيذ مشروعات قطاع البناء والتشييد (قطاع عام أو خاص على السواء) والتأكد من كفاءتها الفنية والمالية ومراقبة نشاطها أثناء التنفيذ بما ينعكس مباشرة على جودة المشروعات من الناحية الفنية وتأخر معظمها وتعثر إنجازها وبروز الكثير من العيوب قبل الاستثمار والتقييد لدى كثير من الجهات صاحبة العطاءات بشرط السعر الادنى دون ربطه بوضوح بكفاءة الجهة المنفذة ينعكس سلباً على درجة جودة غالبية المشروعات الهندسية وضعف تأهيل الموارد البشرية للعاملين في قطاع البناء والتشييد وضعف الربط بين البيئة والغابات والتنمية العمرانية والوزارات الأخرى والجامعات ومراكز البحث العلمي واتحاد المهندسين السودانيين واتحاد المقاولين السودانيين الى جانب عدم تفهم المالك للعمل الهندسي وأولوياته والتدخل فيه لإجباره على اتباع إجراءات غير صحيحة هندسياً باسباب مختلفة بحجة السرعة في إنجاز المشروع فتكون النتيجة إنتاج دراسات هندسية غير واقعية وغير صحيحة عملياً.
اما من حيث نقاط القوة فان قطاع البناء والتشييد يُعد قطاعاً حيوياً من حيث الاستثمار وفتح فرص العمل لكافة العاملين وإحداث تنمية مستدامة في المجتمع ورفد الاقتصاد الوطني وتنشيط القطاعات المنتجة الأخرى وان الاستثمار فيه يعني إحداث صناعة متطورة وتأمين قيمة مضافة لمواد البناء والإنشاء المحلية وكذلك تنشيط للموارد البشرية وتعميق مهارات العاملين مما يعطي مؤشر حيوي لنموء المجتمع ومع قراءة للتوقعات خلال العقدين القادمين بأن يصبح قطاع البناء والتشييد متماشياً في تطوره مع السياسة الوطنية المتبعة لتحقيق التنمية المستدامة ومستويات النموء الاقتصادي المرتفع والتحول بإتجاه إقتصاد السوق الإجتماعي فمن المتوقع ان يصبح القطاع قطاعا علميا مؤهلا ومبدع ويعكس القيم الحضارية والبيئة السودانية ويعمل بكفاءة إقتصادية وجودة عالية ومتنوع ويضم شركات مقاولات اختصاصية عامة وخاصة ويحوى شركات استشارية هندسية على مستوى عالمي ويعمل على تشغيل جزء كبير من القادمين الجدد لسوق العمل وانه موزع جغرافياً ويلائم متطلبات التنمية الإقليمية المتوازنة ويملك ميزة تنافسية عالية محلياً وإقليمياً .
…………. نواااصل ،،،،،،

[ssba]
[fbcomments]

كتاب الراي