الوضع الراهن بقطاع البناء والتشييد والمقاولات بالسودان 1

يعرَّف قطاع البناء والتشييد بأنه مجموعة الأنشطة المتعلقة بالتخطيط والتصميم والتنفيذ للمشروعات الإنشائية لمختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية في الدولة كالمباني العامة بكافة أنواعها كالمدارس والجامعات وملحقاتها والمصانع والمؤسسات الصناعية والمباني الإدارية والمستشفيات والمنشآت الصحية والمنشآت التجارية العامة والخاصة والرياضية والسياحية ومافي حكمها، وكذلك مباني القطاع الخاص والبنى التحتية مثل الطرق والجسور والأنفاق والعبارات وشبكات الصرف الصحي والمياه والخزانات ومحطات التنقية ومحطات المعالجة ومحطات الضخ وما شابهها، وكذلك السدود والمنشآت المائية ومنشآت توليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية والسكك الحديدية والمطارات وكل المنشآت المشابهة .
إن كُبر وضخامة حجم الأعمال الخاصة بقطاع صناعة البناء والتشييد والمقاولات ليس بالسودان فحسب بل بكل دول العالم أدى إلى إستأثره بكثير من علاقات العمل المشترك بينه وبين القطاعات الخدمية الأخرى قطاع منتجي مواد البناء والإنشاء ويشمل جميع مصانع وورش القطاع العام والخاص ومنتجي المواد المستخدمة في عملية البناء والتشييد (قطاع الصناعات الهندسية ) وقطاع موردي مواد البناء والإنشاء ومستلزمات البناء والتشييد (مستوردين ) وقطاع الممولين من مؤسسات الدولة ومن القطاع الخاص (CLIENTS) والمستثمرين والبنوك والمؤسسات التمويلية (INVESTORS) ، وقطاع الاستشاريين من مصممين ومشرفين على التنفيذ ويشمل الشركات الاستشارية في القطاع العام والخاص والشركات الأجنبية المتخصصة (بيوت الخبرة الاستشارية) وقطاع مقاولين رئيسيين عامين ومتخصصين وتضم شركات تعهدات عامة وخاصة محلية وأجنبية (مقاولي الاعمال الهندسية) والجهات المشرفة لنشاطات الإشراف والتصميم والتنفيذ وتضم المؤسسات المتخصصة في الدولة وتضم مجلس تنظيم بيوت الخبرة الاستشارية و مجلس تنظيم مقاولي الأعمال الهندسية واتحاد المقاولين السودانيين والمجلس الهندسي والكيانات الهندسية الأخرى والاتحاد المهني للمهندسين السودانيين واتحاد أصحاب العمل ، (كجهات مشرفة ومشاركة على تنظيم وتطوير صناعة التشييد) الى جانب الجهات المشرفة على تأهيل وتدريب الكوادر الفنية من مهندسين ومساعدي مهندسين وتقنيين وحرفيين وعمال مهرة . (المؤسسات التعليمية والتدريبية) .

إن صناعة البناء والتشييد والمقاولات بالسودان صناعة كثيرة التعقيدات مثلها مثل باقي دول العالم النامية منها والمتقدمة وذلك نسبة للتداخلات والتقاطعات التي تتم خلالها وتعتبر صناعة معقدة لأسباب عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر انها تعتمد مبدأ المشروع والذي يكون له عمر طويل ووزن ثقيل حيث من الغير الممكن نقله واعادة استخدامه لانه عادة يبنى لهدف محدد ويمر مشروع التشييد بعدة مراحل من الفكرة الى دراسة الجدوى فالتصميم الاولي فالتفصيلي فالتعاقد فالتشييد ومن ثم التشغيل والصيانة وفي النهاية الاستبدال او الازالة حيث يختلف المشاركون في كل مرحلة من المراحل حسب دورهم واهدافهم كما انها تضم عدد كبير من المساهمين فيها ومن مختلف الخلفيات العملية والعملية (مدراء , مهندسين من مختلف المجالات , مجالس تنظيم واتحادات , شركات استشارية , جيولوجيين , مخططي المدن , قانونيين , محاسبين , ممولين , تقنيين , قطاعات حكومية , مزودي مواد , مزودي اليات , … الخ), وتختلف خبرات العاملين أو المشاركين في صناعة التشييد والمقاولات من أعلى درجات المهارات والخبرة الى عمال بدون أي خبرة أو مهارات ، كما ان المنتج النهائي في صناعة التشييد والمقاولات هو عبارة عن مركب من عدد كبير من المواد المختلفة الخواص والاشكال وكذلك التجهيزات الميكانيكية والكهربائية المختلفة وتستخدم لانتاج هذا المنتج عدد كبير من الموارد المؤقتة والدائمة وقد يكون من الممكن تخزينها أو يجب استخدامها ضمن وقت معين ومن الاسباب كذلك انه يتم الحصول على المنتج النهائي في صناعة التشييد والمقاولات من خلال العديد من استراتيجيات التعاقد والتوريد والتي تختلف عن بعضها البعض ومدى ملاءمتها لكل نوع من المشاريع .
كذلك يتميز قطاع البناء والتشييد ، سواء في السودان أو خارجه ، بعدد من الصفات والتي من أهمها ان منتجاته ضخمة ومتنوعة والانتشار المترامي الأطراف جغرافياً حيث يمتد على رقعة الوطن وعدم التشابه والتنوع الواسع لهذه المشروعات وعدم نمطية الإنتاج التي هي من سمات القطاع الصناعي الى جانب تأثر مشروعات هذا القطاع بالعوامل المحيطة ودرجة تأهيل الكادر البشري وفي العادة يتم تنفيذ المباني والمنشآت في السودان بحزمة عريضة من مواد البناء والإنشاءات .
ومع استعراض واقع الصناعة لهذه المواد في السودان يتبين لنا انه تتم في السودان صناعة عدد محدود من مواد البناء والإنشاءات كحديد التسليح ، الأسمنت ، السيراميك ، الدهانات ، البلاط ،واشياء أخرى قليلة ، أما بقية المواد فيتم إستيرادها من عدد كبير من البلدان الأجنبية وتتفاوت درجات جودة تلك المواد التي تم تصنيعها في بلادنا وهذا ما يتضح عند تشغيل المنشآت وظهور الكثير من العيوب ونقاط الوهن والضعف. و كان من البديهي عدم حدوثها لو طبقت معايير الجودة بدقة واحترافية في التصنيع في بعض المصانع المحلية ( حديد التسليح مثالا)
أما مواد البناء والإنشاءات المستوردة فهي متفاوتة الجودة وجزء منها لايحقق الحد الأدنى من الجودة المطلوبة وذلك لغياب المواصفات المحلية المنظمة لعملية الاستيراد بمعايير دقيقة، وكذلك لرغبة بعض المستوردين المحليين في تغليب السعر الأدنى على حساب الجودة لهذه المواد هذا فضلاً إلى عدم وجود معايير إضافية لصناعة مواد البناء والإنشاءات لتكون غير ضارة بالبيئة مع تأمين الاستهلاك الأدنى من الطاقة في صناعتها وتركيبها والتي أضحت مؤخراً شرطاً أساسياً ومهماً يجب تحقيقه في قطاع البناء والتشييد .
أما الحديث عن واقع الجودة في قطاع البناء والتشييد في السودان فنجد انه مازال يعتريه الكثير من الأخطاء إذ لابد من توفر البيئة الملائمة لتشييد هذه المنشآت بحيث تحقق المتطلبات الوظيفية المناطه بها والمواصفات الفنية اللازمة وشروط الجدوى الاقتصادية لها ومتطلبات العُمر الافتراضي التصميمي و شروط الاستدامة ، ولضمان تحقيق هذه المتطلبات لابدمن توفر معايير الجودة في مراحل المشروع ممثلة فى المرحلة التحضيرية لدراسة المنشأة، ومرحلة التصميم ، ومرحلة الإشراف والتنفيذ، ومرحلة التشغيل حيث تبدأ أعمال الصيانة بكافة أشكالها، وبتطبيق المعايير المهنية في تنفيذ المباني والمنشآت ، يتبين أن جزءاً مقدرأ منها غير محققة لهذه المعايير وينجم عن هذا نقاط ضعف كثيرة في المشاريع التي تحتاج إلى معالجات ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر عدم قدرة المنشأة على تحقيق المتطلبات الوظيفية كاملة وحدوث عيوب متعددة تحتاج إلى كلفة ترميم وإصلاح عالية نسبياً وحاجة البناء إلى إعادة تأهيل جزئي وظيفياً وفنياً وإرتفاع تكلفة الصيانة الإضافية أو الدورية للمنشأة ، أما على مستوى الاستشارات الهندسية في السودان فنجد أن هنالك بعض السلبيات وأوجه القصور التي كانت ملازمة لهذا القطاع المهم ردحاً من الزمن وخاصة قبل قيام وإنشاء مجلس بيوت الخبرة للخدمات الهندسية والذي سعى لتنظيم وترتيب عمل المكاتب الهندسية الاستشارية بالسودان إلا أن أهم وأكبر المشاكل التي تعترضه حتى الآن تتمثل في عدم اعتماد مرجعية فنية تضم الكودات الفنية والمواصفات وكل المعايير التي تضبط العمل الفني والتي يجب أن تتميز بكفاءة عالية وأن تكون منسجمة مع تراكم الخبرات العالمية المهنية من جهة ومتوافقة مع الشروط المحلية للسودان وعدم وجود نظام لضبط جودة المكاتب الاستشارية الهندسية ، و الامل معقود علي مجلس تنظيم بيوت الخبرة الاستشارية للاطلاع بدوره المنوط به وايجاد آلية مستمرة لمراقبة هذه الجودة بصورة دورية وفق معايير معتمدة و العمل علي تاسيس نظام لتوثيق كافة النشاطات المهنية للمكاتب الاستشارية الهندسية ورصد أعمالها وتأمين شبكة من بنوك المعلومات فيما بين هذه المكاتب بغرض تأمين قواعد بيانات حقيقية حول خبرات هذه المكاتب ووضع إمكاناتها الوطنية تحت تصرف متطلبات التنمية المحلية. والاستفادة المثلى من هذه الخبرات والقصور فى استخدام التقانات الحديثة في العمل الاستشاري الهندسي وان يسعي المجلس في تأمين مناخ الإبداع والتطوير الذاتي المستمر لقدرات هذه المكاتب الاستشارية الهندسية. وايجاد المرونة والتعاون في آليات إدارة المكاتب الاستشارية الهندسية بحيث يمكنها أن تتآلف وأن تتبادل الخبرات فيما بينها. و ان يسعي المجلس لايجاد طرق بديلة لنُظم التأهيل الفني المسبق للمكاتب الهندسية الاستشارية وفك احتكار بعض المكاتب للعمل دون غيرها وايجاد معايير اخري غيراعتماد العرض الأرخص بدلاً عن العرض الأنسب .
لقد انعكست كل نقاط الضعف التي زكرناها سلباً على درجة جودة المنشآت والمباني القائمة والبنى التحتية في السودان وألحقت هذه السلبيات أضراراً ملموسة في قطاع البناء والتشييد من حيث ابتعاد جزء كبير من هذه المنشآت عن تحقيق الوظيفة المناطة بها أو وجوب إجراء تعديلات على التصميم لإعادة تأهيلها أو ظهور عيوب تحتاج إلى إصلاح وصيانة مما ينتج عنه قيمة وتكاليف كبيرة ، وبنظرة فاحصة الى واقع تنفيذ المباني والمنشآت بالسودان نجد المعيار المعتمد في تقييم المباني والمنشآت القائمة والذي يبين مدى تطابق واقعها مع الشروط التصميمية والوظيفية المطلوبة منها يتلخص في تحقيقها للوظائف المناطة بها والاستدامة طوال عمرها الإفتراضي ، إضافة إلى شرط تأمين هذه المباني والمنشآت لشروط البيئة النظيفة ، وبتفحص أولي ومن الخبرات المتراكمة يمكن التأكيد بأن الكثير من المباني والمنشآت المنفذة تبتعد بقيم متفاوتة وغير مقبولة عن الشروط المطلوبة تصميمياً ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة أهمها استعمال مواد إنشائية متدنية الخواص تؤدي لإخطاء تنفيذية وأخطاء في الدراسة ولم يرصدها المنفذ أو المشرف أثناء التنفيذ وغياب نظام مراقبة الجودة أثناء التنفيذ لكافة العناصر الى جانب تدني مستوى الكوادر من المنفذين للمشروع مهنياً وعدم احترام الاشتراطات التصميمية للمشروع …الخ ، ويؤسفنا القول أن واقع التنفيذ في قطاع البناء والتشييد هو أقل من الطموحات بكثير ويحتاج إلى اتخاذ إجراءات حاسمة وخطوات صارمة لرفع كفاءة التنفيذ وتجنب هذه الأخطاء ، كما أن اختيار المقاول والتأكد من كفاءته وسمعته المهنية وامكاناته الفنية والمالية يعد أهم عوامل إكساب المشروع جدوى فنية في التنفيذ.

[ssba]
[fbcomments]

كتاب الراي